الإعاقة ليست فقد القدرة على الحركة فقط، فهناك من فقدوا قدرتهم على الابصار لكنهم لم يفقدوا الأمل بعد.. عصام حمام لم يجاوز الثالثة والعشرين، قرر أن يبرهن بصلابة صعيدى من أبناء سوهاج على أن الإعاقة لا تسد طريق الأمل «الإعاقة لا تعوق أحدا.. الإعاقة هى مجرد قصور لدى إنسان ما فى شىء معين.. ربما فى بصره أو فى سمعه أو فى حركته.. وإذا استطاع أن يعوض هذا القصور أصبح شخصا طبيعيا تماما.. لا يفرق شيئا عن باقى الناس.. وربما استطاع أن ينجز أفضل».
ولد عمر كفيفا لكنه استطاع أن يبرهن ويثبت صحة تعريفه هذا، على حياته الشخصية، ثم عن طريق مساعدة من حوله لتحسين حياتهم للأفضل، يقول عن دراسته: «أنا اتعلمت فى مدارس للمكفوفين.. سياسة العزل دى قاسية للغاية، لكنها للأسف لا مفر منها فى مجتمعنا الذى لن يتقبل فكرة الدمج بسهولة، كما أنه ليس لدى المجتمع الإمكانيات..
فإذا وضعنا مثلا الأطفال المكفوفين والعاديين فى فصل دراسى واحد، فمن أين لنا بمدرس قادر على التعامل مع الاثنين بشكل جيد؟ ومن أين لنا بالأدوات المساعدة التى يحتاجها المكفوفون فى تعلمهم.. كما أن الأعداد الكبيرة فى المدارس بشكل عام لن تتيح أن ينال المكفوفون الاهتمام اللازم لحالتهم..
فكيف نطالب فى ظل كل هذا بالدمج فى التعليم، فلا سبيل لذلك، رغم احتياجنا الشديد إليه، فنحن نحتاج أن ينشأ كل طفل معاق وسط مجموعة من الأصحاء حتى يعتاد على التعامل مع المجتمع والعكس بالعكس».
فرض المجتمع على عمر أشياء بعينها وحرمه، لكنه قرر أن يثبت للمجتمع أنه لا يزال قادراً على النجاح: «أنهيت تعليمى الثانوى وحصلت على مجموع مرتفع كان يؤهلنى للالتحاق بكلية الهندسة.. لكن المجتمع يرى أن المعاق لايستطيع أن يلتحق بكلية عملية.. فالتحقت بكلية الآداب قسم التاريخ وأكملت دراستى، وتخرجت بتقدير عام جيد، وحصلت بعد التخرج على درجة الماجيستير فى التاريخ، تقريبا خلصت الرسالة فى حوالى سنة وثمانية أشهر بالضبط، وتابعت مهنة الهندسة التى كنت أتمنى العمل بها لكن على سبيل الهواية، وحصلت على ثلاثة براءات اختراع..
الأول كان جهازاً لتعليم طريقة برايل للمبصرين، والثانى جهازاً لفلترة المياه، وقد تقدمت بهم فى مشروع الطرق المؤدية إلى التعليم العالى، الذى تشرف عليه كلية الهندسة جامعة القاهرة منذ ٣ سنوات.. وتم عرضهم فى حفلة عرض المشاريع التى تقيمها الكلية، فقامت إحدى الشركات الخاصة التى حضرت الحفل بشراء حق الانتفاع بالاختراع لمدة ٩ سنوات، وبالفعل تم طرح الجهاز فى الأسواق.. أحسست وقتها بنشوة الانتصار..
كنت سأصبح مهندساً ناجحاً لو كان المجتمع أعطانى هذه الفرصة، ولكنى حُرمت من هذا فقدمت شيئاً يخدم المجتمع بأكمله وليس المعاقين أو المكفوفين فقط».. يتحدث عمر عن اختراعه الثالث قائلا: «قدرت كمان أحول لوحة مفاتيح جهاز الكمبيوتر بطريقة برايل، ليتمكن الأشخاص المكفوفين من استعمالها.. وده قدرت أعمله وأنا فى الصف الثالث الثانوى».
وعن مشاكل المكفوفين فى التعليم يقول: «يمكن أبسط وأقل مشكلة ممكن تقابليها إن مثلا مفيش كتاب جامعى للمكفوفين.. الكفيف يشترى الكتاب عادى وياخده يتصرف فيه.. يسجله على شرايط كاسيت أو يحوله لطريقة برايل، وفى الحالتين بيكون الأمر مرهق ومكلف جداً».
قام عمر بتأسيس جمعية لمساعدة المعاقين بشكل عام بسوهاج.. يعلمهم التعامل مع التكنولوجيا الحديثة والكمبيوتر حتى يساعدهم هذا فى الدراسة أو العمل «قررت تأسيس الجمعية لأننى رأيت أن كل معاق ينظر لاحتياجاته بطريقة غريبة، فهو يطالب بعصى أو كرسى ليتحرك، وهذه أشياء يجب أن تتوافر له دون أن يطلبها لأنها بدهيات.. شعرت أن الهدف الرئيسى أن نجعل المسؤولين يهتمون بنا ويفهمون جيدا أن لنا حقوقاً سنأخذها، لأننا لن نتهاون فى طلبها، ولن نتقبلها من أحد على سبيل العطف أو الشفقة، لأن حقنا فى أن نعيش لن نناله بعطف أحد».